تجمع الكفار وقالوا لم يعد لنا مع هذا الرجل إلا أمراً واحداً نقتله ونستريح منه وكيف نقتله وعائلته كبيرة؟ ، فقالوا: نأخذ من كل قبيلة شاباً فتياً قوياً وأن يذهبوا ويتجمعوا حول منزله فإذا خرج نزلوا عليه بسيوفهم جميعاً فيتفرق دمه في القبائل فلا يستطيع أهله أن يطالبون بثأره
وإذا أفلت صلى
الله عليه وسلم من هذه الجماعة فإن لمكة إثنى عشر طريقاً للخارج منها أو للداخل إليها فجعلوا على كل طريق فريق مستعد جاهز بالعتاد والسلاح حتى إذا خرج من بينهم ولم تلحقه سيوف المحاصرين تأخذه سيوف المتربصين على أي طريق سيخرج منه لأنه لابد أن يخرج من هذه الطرق فليس لمكة غير الإثنى عشر طريقاً هذه
ماذا صنع له الله؟ وهو عبداً لله ومتوكل على مولاه ، خرج من بينهم وهم يتكلمون ويقولون لبعضهم: إن محمداً زعم أن
الله سينصره وأنه سيكون له جبال وحدائق وجناين مثل التي توجد في بلاد الشام وفي بلاد العراق فخرج عليهم وقال: نعم أنا أقول هذا
أخذ
الله أسماعهم فلم يسمعوه يسمعون بعضهم ولكنهم لا يسمعونه عناية من
الله لحَبيبه ومُصطفاه ، يسمعون كلامهم مع بعضهم لكن لا يسمعون كلام النبي الذي قاله لهم ، يرون بعضهم ولكنهم لا يروا حَبيب
الله ومُصطفاه وزاد على ذلك فأخذ حفنة من التراب بيده ومر عليهم جميعاً ووضع على رأس كل رجل منهم حفنة من التراب
ما السلاح الذي كان معه؟ السلاح الذي كان معه سلاح لا يوجد في أمريكا ولا في روسيا ولا في ألمانيا ولا في اليابان وإنما يوجد في مصانع القرآن ما المصنع الذي أنتج هذا السلاح؟
{يس{1} وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4} يس
جلس يقرأ هذا السلاح حتى وصل إلى قول
الله {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} يس
أي سلاح بالدنيا في هذا الوقت؟ وفي أي دولة من دول العالم يستطيع أن يجعل الواحد يقف في وسط أعدائه ولا يرونه؟ لا يوجد إلا سلاح
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} وأين يوجد؟ يوجد في كتاب
الله وفي كلام
الله ومع المؤمنين والمؤمنات أجمعين إلى يوم الدين ، كل واحد يستطيع أن يستخدمه في وقت الشدة وفي وقت الأزمة وفي وقت النكبة ويصلح
الله به شأنه وينصره به على أعدائه
فخرج صلى
الله عليه وسلم من طرق مكة وأيضاً لم يره المتربصون إلى أن وصل إلى الغار وحماه
الله في الغار كما قال في قرآنه
{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} التوبة40
جنود لا يصدق أحداً أبداً أنها أصبحت في ميدان القتال ، حمامة وعنكبوت وشجرة قصيرة ضعيفة من شجيرات الصحراء هي التي حمت سيد الأنبياء صلى
الله عليه وسلم من مكر وكيد الأعداء ، من أجل ماذا،
من أجل أن نعلم علم اليقين أن
الله إذا أراد نصر عبد اعتمد عليه نصره ولو بأضعف مخلوقاته ولو بأقل كائناته ليس فرضاً أن ينصره بالملائكة وما أكثرهم عند
الله أو ينصره بالرياح وما أشدها وأعتاها إذا أرسلها
الله ، ولا أن ينصره بالماء يتفجر من الأرض أو ينزل من السماء
جنود يقول فيها الرب المعبود
{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} المدثر31
فالذي يعتمد على
الله لا يحدد السلاح الذي ينصره
الله به لأن
الله ينصر من يشاء بلا جند أو عتاد وهو عز وجل إذا أراد نصره بأضعف الأشياء وتلك سنة
الله مع الأنبياء والمرسلين والصالحين والمؤمنين في كل وقت وحين ، فالعنكبوت حيوان ضعيف وربنا نفسه قال في شأنه{وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} العنكبوت41
لكن هذا الحيوان الضعيف والحشرة الصغيرة التي ليس لها أجنحة نصرت نبي
الله داود ونصرت نبي
الله محمد صلى
الله عليهم أجمعين ، فداود عليه السلام لما انتصر على جالوت وأخذ يجري وراءه ليقتله دخل واختبأ في الغار فأرسل
الله عليه عنكبوتاً نسج على باب الغار
فلما جاء جالوت ومن معه وقال بعضهم لقد اختبأ في هذا الغار قال جالوت كيف دخله ولم يقطع نسج العنكبوت ونسج العنكبوت يغطي الباب كله؟ ولا يعلم أن
الله كما يقول في شأن الماكرين والمنافقين والمشركين
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال30
ويمكرون يعني (يدبرون) هم يفكرون ويدبرون وربنا يدبر ومن تدبيره أكبر؟ تدبير
الله أكبر ، هو نفس العنكبوت الذي نسج على باب الغار بعد أن دخله النبي المختار صلى
الله عليه وسلم ولذلك يقول صلى
الله عليه وسلم
{العنكبوت جند من جنود الله}{1}
من أجل أن يعلم المؤمن علم اليقين أن
الله ينصر عبده المؤمن بأضعف شئ وبأقل شئ ما دام قد اتجه إلى حماه واعتمد على نصر
الله وطلب التدخل السريع من فرق الإنقاذ الإلهية التي جعلها
الله نصرة لعباده المؤمنين والمؤمنات أشياء كثيرة لا أريد أن أطيل عليكم بذكرها